الفرق بين قوله صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا ، فهو رد ) و بين ( مَنْ أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منا ، فهو رد ) ..
(( فـــائدة ))
سئلتُ عن الفَرْق بين اللفظَيْن المرويََّيْن في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَمِلَ عملاَ ليس عليه أَمرُنا ، فهو ردٌّ )1، و اللفظ الآخر : ( مَنْ أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه ، فهو رَدٌّ )2، فتلخَّص ثلاثة فروق :
الأول : أن اللفظ الأول يدل على أن من عمل عملاً ليس عليه أمر الشارع ، فهو مردود ، سواءٌ كان قد أحدَثَهُ هو أم كان مقلداً لغيره فيه ، أما الثاني : فظاهرُهُ أنه خاص بالعمل المُحْدَثِ دون العمل المقلَّد فيه .
هكذا ظهر لي أولاً ، ثم تبين لي أن هذا غير صحيح ؛ لأن الثاني مطلق بالنسبة للعمل ، أي : أنه غير مقيَّد بعامله ؛ لأن مدلول الحديث أن هذا العملَ المحدَثَ ردٌّ ، سواءٌ كان مُحْدِثه أم من غيره .
الثاني : أن الأول خاص بالأعمال ، أما الثاني : فهو عام في كل محدَثٍ ، سواء كان عملياً أم اعتقادياً ؛ و على هذا فنأخذ بعموم الثاني .
فهذا فَرْقٌ مِنْ جهة مدلول الحديثين .
أما من جهة الحكم ، فبينهما فرق و هو :
الثالث : أن الأول يقتضي أن كل عمل لم يوجد عليه أمر الشارع ، فهو مردود من غير توقف ، و الثاني يقتضي أنه لا يُرَدُّ إلا عُلِمَ مخالفته لأمر الشارع ؛ و يظهر هذ الفرق بالمثال :
فإذا قدَّرنا أن أحداً تعبَّد عبادة لا نعرف لها أصلاً من الشرع ؛ فإنا نمنعه و نردُّها حتى يقومَ عليها أمرُ الشارع ؛ بناءً على اللفظ الأول ، أما على اللفظ الثاني : فنتوقَّف حتى ننظُرَ في مخالفتها أو موافقتها ، و على هذا فنأخذ باللفظ الأول ؛ لأن الأخذ به أحوط ، والله أعلم .
و بهذا ظهر أن بينهما ثلاثة فروق ، فرقان معنويان ، و فرق حُكْمِيّ .
و هذا إن سلَّمنا الفرق الأول ؛ و إلا فهما فرقان فقط .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1- رواه مسلم في الأقضية ( 1718 ) .
2- رواه البخاري في الصلح (2697 ) .
المصدر: كتاب المنتقى من فرائد الفوائد للشيخ ابن عثيمين رحمه الله